هذا الكتاب يبحث في موضوع ما ينصرف وما لا ينصرف، وهذا الموضوع يحظى بعناية النحويين منذ ألفوا كتبًا في النحو فلا نجد كتابًا في النحو إلا وباب ما ينصرف وما لا ينصرف ينتظم منه صفحات تقل أو تكثر تبعًا لاهتمام المؤلف بهذا الباب، بل إننا نرى أن بعضهم قد اهتم به اهتمامًا بالغًا حتى أفرده بكتاب مستقل، ومثال ذلك “ثعلب” الذي أفرده لكتاب باسم ما يجري وما لا يجري، وهذا الكتاب لا نعلم عنه شيئًا اللهم إلا ما ذكره “حاجي خليفة” في “كشف الظنون” عنه، وقد أفرده الزجاج أيضًا بهذا الكتاب، وهذا يؤيد مدى اهتمام النحويين بهذا الباب، فقد رأوا أنه يرتبط بالحياة اليومية فنحن باحتكاكنا بالحضارات نحس بحاجتنا إلى هذا الباب، ففي حياتنا اليومية تُنْشَأ لنا احتياجات استعمالية لكلمات نحاول أن نخضعها للغتنا العربية، فالذي أنشأ الحاجة إلى باب ما لا ينصرف هو الاحتكاك الحضاري، وتزداد هذه الحاجة إلى المصطلحات التي تتماشى مع هذه الحضارة، فنحن نرى أن الأمثلة التي كان يسوقها النحويون الأقدمون ليست أمثلة فرضية لا يؤيدها شيء من الواقع، والدليل على ذلك ما نحتاج إليه الآن من استحداث كلمات واستعمالات يومية، فنرى أمامنا أمثلة لا يعيننا على النطق بها ومعرفة إعرابها إلا قياسها على تلك الأمثلة الفرضية. جعل فيه الزجاج مقدمة قال فيها: “ونحن نبين ما ينصرف وما لا ينصرف مختصرًا ونملي منه القصد وقدر الحاجة إلا أنا استقصينا شرح الأصل ليُستدل به على كل الفروع..”. وهو في كتابه يورد آراء النحويين في المسألة التي يبحثها فيعرض لآراء سابقيه، وهو في عرضه لآراء النحويين تتضح لديه نزعة تيسير وشرح لما غمُض من كلامهم أو تصويبه، وهو في كل ذلك ينزع إلى التأدب في تصويب ما يراه. ونراه كثيرًا ما يستحسن الآراء ويختار منها وما يراه صوابًا فتبدو شخصيته النحوية متميزة في اختياره للآراء واتباع من سبقه. والآراء التي ينفرد بها نراه يعلل لها بالاستدلال المنطقي أو القياسي، وظاهرة تفصيل المجمل وتصنيفه تتضح في طريقة عرضه لمفردات وجزئيات مسائله. أما ظاهرة اهتمامه بالاشتقاق فتبدو واضحة في إيراده لكلمة الاشتقاق اثنتين وعشرين مرة على الرغم من صغر حجم الكتاب. وشرحه اللغوي للكلمات يبدو في فهرس الكلمات اللغوية التي شرحها الزجاج.