جمع “ابن قيم الجوزية” في هذا الكتاب ألوانًا من الفوائد واللطائف والعبر والمواعظ والنكت والدقائق والملاحظات والأفكار في فنون مختلفة، ولم يُرتِّبه على الموضوعات والأبواب، ويبدو أنه خصَّص كُنّاشًا أو دفترًا لتسجيل هذه الخواطر والفوائد المتفرقة، وأدرج فيه ما استحسن منها في فترات مختلفة من حياته. وطريقته فيه أنه يبدأ كل فائدة وبحث بكلمة: فصل أو قاعدة أو فائدة أو تنبيه، ويورد تحتها من بنات فكره أو من الكلمات المأثورة عن السلف أو من الأبيات والحكم المنثورة ما يعتبرها خير معين لمن يريد طريق النجاة والفلاح في الدنيا والآخرة. ويحتوي الكتاب على موضوعات عديدة في التوحيد والعقيدة، فيذكر أن معرفة الله تحصل بالنظر في مفعولاته والتفكر في آياته وتدبرها، وأتمّ الناس معرفةً به من عرفه بكماله وجلاله وجماله، ومعرفة الله نوعان: معرفة إقرار يشترك فيها المطيع والعاصي، ومعرفة توجب الحياء منه والمحبة له والإنابة إليه، وهي المعرفة الخاصة. وبيَّن المؤلف تفاوت الناس في التوحيد وفوائد التوحيد في الدنيا والآخرة وأن راحة القلب والبدن في طاعة الله، وذكر معنى العبودية ومراتبها وثمرة الإيمان بالصفات الإلهية والتوسل بأسماء الله الحسنى، وحقيقة التوكل وأنواعه، وتعرض لموضوع القضاء والقدر والرزق والأجل وأن النعم كلها من الله والذنوب من الشيطان وأن شفاعة الرسول صلى الله عليه وسلم تُنال بطاعته. إلى غير ذلك من الموضوعات التي تتعلق بالتوحيد. وهناك أبحاث جليلة في التفسير وعلوم القرآن، منها بيان شروط الانتفاع بالقرآن وأنواع هجر القرآن وتأملات في سورة الفاتحة وسورة ق وسورة التكاثر وتفسير آيات عديدة. وهو يشرح أحيانًا بعض الأحاديث، مثل حديث ابن مسعود في الهم والحزن، وقوله صلى الله عليه وسلم: “الإسلام علانية والإيمان في القلب”، وقول الله تعالى لأهل بدر: “اعملوا ما شئتم فقد غفرتُ لكم”، وقوله صلى الله عليه وسلم: “فاتقوا الله وأجملوا في الطلب”، وقوله صلى الله عليه وسلم: “إذا أصبح ابن آدم فإن الأعضاء كلها تكفِّر اللسان”. وتكلم على مسألة أصولية كلامًا طويلًا، وهي أن ترك الأوامر أعظم عند الله من ارتكاب المناهي، وقرر ذلك من وجوه كثيرة. وفي الكتاب فصول مهمة عن فضائل العلم وأنواعه وآفاته ومراتب العلوم، وصفات علماء السوء وتحذير العالم من الدنيا والركون إليها. أما الحديث عن أعمال القلوب وأسباب الذنوب والمعاصي وآثارها والأخلاق المحمودة والمذمومة والنصائح والمواعظ والعبر واللطائف والإشارات والرقائق والزهد فهي تحتلُّ مكانًا بارزًا في الكتاب. وبالجملة فالكتاب مليء بالفوائد، وسُمِّي حقًّا بكتاب “الفوائد”. وهو يختلف في موضوعاته وأبحاثه عن “بدائع الفوائد”، فكتاب “الفوائد” كما رأينا: أكثره تأملات وخواطر، وعبر ومواعظ، ولطائف ورقائق، ويقل فيه النقل عن المصادر الأخرى، بينما كتاب “البدائع” يحتوي على مسائل علمية من فنون مختلفة مع تحقيق وإطالة نفس، ويكثر فيه النقل عن العلماء ومصنفاتهم مع التعليق عليها. ويوجد موضع واحد وقع فيه الاتفاق بين الكتابين في النقل عن “المدهش” لابن الجوزي بدون عزو.