يتفق هذا الكتاب مع كتاب الإبدال -لابن السكيت- في عدد الأبواب، حيث يصل عدد أبوابه إلى خمسة وثلاثين بابًا أيضًا، ولكنهما يختلفان في ماهية الأبواب. فهناك أربعة عشر بابًا أوسع لها ابن الكسيت مكانًا في كتابه ولم يفعل ذلك الزجاجي، وهذا إن دل على شيء: فإنما يدل على استقلالية الزجاجي في تأليفه لهذا الكتاب. فلهو لم يسر سير ابن السكيت حذوك النعل بالنعل، ولم ينقل كل ما في كتابه. وهذا لا ينفي قاعدة التأثير والتأثر بينهما، حيث كان كتاب ابن السكيت هو السابق في هذا المضمار، وهو الأكثر شهرة في هذا المجال، ولهذا تردد ذكره في كثير من معاجم اللغة العربية، وعلى رأسها موسوعة المعاجم: لسان العرب. وبالإضافة إلى ما سبق ذكره: فقد نهج الزجاجي في تأليف كتابه نهجًا نحسبه يختلف عن نهج ابن السكيت، وإن كان يتفق مع ما حدث في القرن الرابع الهجري من تطورات فكرية وصوتية ولغوية، جعلت الزجاجي يُحجم عن كثير مما أورده ابن السكيت في إبداله. ففي هذا القرن شاعت نظرية أبي علي الفارسي الذي قال: “أصل البدل في الحروف: إنما هو فيما تقارب منها وذلك نحو: الدال والطاء والتاء، والذال والثاء، والهاء والهمزة، والميم والنون، وغير ذلك مما تدانت مخارجه”. ثم تلقفها منه تلميذه ابن جني وساقها في خصائصه تحت “باب في الحرفين المتقاربين يستعمل أحدهما مكان صاحبه”، حيث قال: “فمتى أمكن أن يكون الحرفان جميعًا أصلين، كل واحد منهما قائم برأسه: لم يسغ العدول عن الحكم بذلك، فإن دل دال، أو دعت ضرورة إلى القول بإبدال أحدهما من صاحبه: عمل بموجب الدلالة، وصير إلى مقتضى الصنعة”، ولا نقول أن الزجاجي تأثر بقولهما فبينهما من الزمن ما قد يمنع ذلك ولكننا نذهب إلى أنهما بلورا هذه الفكرة وعبّرا عنها، وهذا لا يمنع من وجودها وتداولها بين علماء هذا القرن.